السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن العلاقة بين الإدراك الذهني ومفهوم الذات علاقة وطيدة ، إذ أن مايتفوه به الواحد منا يكون نابعًا من مفهومه لذاته ..
ويتأثر مفهوم الذات بالمؤثرات والمعلومات التي نتلقاها من الآخرين والتي تشكل بدورها صورة الذات وتُحدد الهوية الشخصية.
ويتكون مفهوم الذات من مجموعة اعتقادات ومبادئ وقيم وتوجهات شخصية يؤمن بها الشخص .. ويعتبر مفهوم الذات بمثابة آلية ديناميكية حيوية ومستمرة قابلة للتطوير والتعديل كما هي آلية الاتصال .
ويحتوي مفهوم الذات على عدة مكونات تتمثل في التسلسل الهرمي التالي :
،’، ففي قمة الهرم يوجد المفهوم العام للذات : وهو عبارة عن مجموعة المعتقدات التي نتبناها ونؤمن بها ويصعب تغييرها في العادة
،’، يليه المكونان الرئيسيان لمفهوم الذات :
أ/ صورة الذات : الصورة العقلية التي يراها الشخص لنفسه
ب / تقدير الذات : مشاعر واتجاهات الفرد نحو نفسه وكيف يقيم ذاته
،’، يلي ذك العناصر الفرعية الثلاثة وهي :
مفهوم الذات الجسدي والاجتماعي والنفسي .
وكلما اتجهنا لأسفل التسلسل الهرمي كلما ازدادت مرونة العناصر ويمكننا بالتالي التغيير أو التعديل في تفهمنا للأمور والأحداث
مفهوم الذات العام والخاص :
إن نموذج " نافذة جوهاري" من أشهر النماذج المتداولة في الاتصال ، والذي يوضح لنا أربعة مستويات مختلفة من المعرفة لمفهوم النفس ومن الضروري أن تتساوى المساحات الأربع في النافذة ، مع العلم بأن مساحة كل جزء تختلف لدينا بحسب الإدراك الذاتي لعلاقاتنا مع الآخرين وتقديرنا لمدى إدراكنا الشخصي لأنفسنا ، هذه الأنواع هي :
1_ النفس المرئية " الظاهرة " : وهي التي تحتوي على معلومات معروفة للنفس وكذلك للآخرين ، حيث أنها متاحة للإطلاع وإمكانية المشاركة ، والمساحة في هذا الجزء تكون صغيرة في بداية التعرف على الطرف الثاني ، وتتسع مع مرور الوقت الذي يسمح بمشاركة الكثير من المعلومات الشخصية مع الطرف الثاني
2_ النفس غير المرئية : وتسمى " النفس العمياء " لأنها تحتوي على معلومات خاصة يحصل عليها الطرف الآخر ولكنها غير ظاهرة لصاحبها ..
3_ النفس المخبأة : وتحتوي على معلومات شخصية وخاصة جدا لانسمح بمشاركتها مع الطرف الآخر ، وهي معروفة لدى الشخص ومخفية عن الآخرين .
4_ النفس المجهولة : وهي التي تحتوي على معلومات غير معرفة للنفس والآخرين
إنّ إدراكنا للذات يُحدد هويتنا ويُشكل سلوكنا نحو الآخرين ، وقد أجمع علماء الفلسفة وعلم الاجتماع على أن الإدراك يتكون من ثلاثة أجزاء : " الذات المثالية ، الذات الشخصية ، الذات الاجتماعية "
1ـ الذات المثالية
يحب الكثير منا أن يكون مثاليا كالصورة التي رسمها في مُخيّلته ، وغالبًا ما نبدأ برسم هذه الصورة في مرحلة المراهقة وقد تستمر معنا إلى مرحلة الرُشد ..
وتختلف هذه الصورة من شخص لآخر كاختلافها في الشخص نفسه في مراحل حياته المختلفة ، إذ أنه كلما تقدم عمرنا ازدادت تجاربنا في الحياة لنصبح أكثر واقعية وأكثر معرفة بقدراتنا ..
2ـ الذات الشخصية :
وهي الصورة الحقيقية التي نرى بها أنفسنا والتي تخضع لمعايير شخصية بحتة ، لذلك هي قابلة للتحيز
3ـ الذات الاجتماعية :
وهي الجزء الأخير من إدراك الذات الذي يتعلق بالآخرين المحيطين بنا في مجتمعنا ، فإن الصورة التي تتكون في أذهان الآخرين عنا تعكس اعتقاداتهم فينا ، وفي أحايين كثيرة يكون تصرفنا شعوريا أو لاشعوريا مبنيًّا على اعتقادات الآخرين عنا ..
وقد أشار علم الاجتماع منذ مئة عام إلى أن الأشخاص يستخدمون الآخرين مرآة لهم ، وهم بذلك يراقبون ردود أفعال الآخرين على تصرفاتهم ويجعلونها معايير تساهم في تقييم أنفسهم .
وتتداخل أجزاء إدراك الذات الثلاثة وتتفاعل مع بعضها في منظومة متكاملة لتشكيل إدراك الذات ، بمعنى أن التغيير في أحد الأجزاء الثلاثة يؤثر على الجزئين الآخرين ، كما تؤثر الأجزاء الثلاثة في مجملها على كفاءة التواصل مع الآخرين
يتكوّن التواصل مع الذات من جزأين أساسيين هما :
_ الإدراك الذهني .
_ مفهوم الذات .
ولكل منهما علاقة بالاتصال ستتضح فيما يلي ..
أولا : الإدراك الذّهني " Perception"
وهو الآليّة التي يتم من خلالها تكوين معنى شخصي لعمليّات الاتصال التي نتعرّض لها كل وقت كالإحساس أو التجارب . وتتم هذه الآلية من خلال ثلاث خطوات تُعالج فيها المعلومات والمُنبهات ..
هذه الخطوات على التوالي هي : الاختيار ثم النتظيم ثم التفسير .
كيف يكون الإدراك الذهني ..
أ_ الاختيار "Selction ":
نتعرّض يوميا لكثير من المؤثرات البيئية المحيطة أو لعمليات الاتصال المختلفة التي تعمل على إثارة المشاعر وتنبيه الأفكار . وبما أنه من المستحيل وعي وإدراك جميع المؤثرات والمعلومات التي تواجهنا أو الاحتفاظ بها ، فإن المخ يختار نسبة قليلة من هذه المؤثرات ويعالجها عن طريق الوعي أو اللا وعي ، ويفرزها بناء على التجارب السابقة أو التأثر بآراء الآخرين ثم يحتفظ بها ، ويتجاهل المخ المعلومات المتبقية ، وبذلك تتم عملية الاختيار .
ويكون الاختيار في المعلومات التي نسمح بالتعرض لها ، والمعلومات التي نسمح بالانتباه لها ، والمعلومات التي نسمح بالاحتفاظ بها . وهذه الخطوات الثلاث تتم باستمرار في حياتنا اليومية ، وهي خطوات تبدو أسهل بكثير من واقعها المركب .
ب_ التنظيم "Organization" :
بعد اختيار المعلومات والمؤثرات من البيئة المحيطة أو من عمليات الاتصال ، يعمل المخ على فرزها وتصنيفها بعدّة طرق منها :
ــ الاستكمال "Closure" :
عبارة عن تعبئة الفراغات في التجربة الجديدة بناء على معلومات وخبرات سابقة وبذلك يصبح الحدث الناقص له معنى ، وليس شرطًا أن يكون المعنى الجديد صحيحًا ، لذا يجب علينا التأكد من معلومانتا قبل إكمال الفراغات بمعلومات خاطئة أو متحيّزة مما يؤدي إلى اتصال غير فعّال .
ــ التقارب " Proximity" :
بالتقارب المكاني أو الزماني يمكننا تنظيم المعلومات أو المثيرات التي تواجهنا بناء على افتراض أن الأشخاص أو الأشياء التي تظهر معًا تكون متقاربة في السلوك أو الصفات ، فلو رأينا صديقين يتواجدان سويًا معظم الأحيان قد نستنتج أنهما متقاربان في السلوك .
ــ التشابه " Similarity" :
وهو فرز مجموعة المعلومات أو المؤثرات التي تتشابه في الشكل الخارجي في فئة واحدة ، فمثلا لو حصل طالبان على درجات مرتفعة في اختبار ما قد نستنج أن مستوى الذكاء لديهما مرتفع ، وهذا الاستنتاج غالبا مايكون خاطئًا ، فليس بالضرورة إن تشابه اثنان في صفة ما " درجات الاختبار " أن يشتركا في صفة أخرى " الذكاء " .
ج _ التفسير " Interpretation" :
يعمل الدماغ على تفسير وترجمة المعلومات والمؤثرات المصنفة بناءً على تجاربنا السابقة أو الجديدة أو آراء الآخرين . وكلما كانت المؤثرات التي نختارها مألوفة لدينا تتوافق مع حصيلة تجاربنا يصبح تفسيرنا لها أكثر وضوحًا . فمثلا عند دخولك لمجمّع سكني ذا تصميم متشابه يتطلب التعرف على تلك المباني بعض الوقت ، ولكن مع مرور الوقت يكون التعرف عليها سهلا .
منقول
دمتم وعين الرحمن ترعاااكم